You are here

اليوم الدولي للمرأة والفتاة في مجال العلوم: مسيرة انتقال من مقاعد الدراسة إلى خبيرة في المجال النووي

,
,

يعدُّ سد الفجوة الملحوظة بين الجنسين تحدِّياً مهماً نسعى دائماً لتحقيقه. وخلافاً لما هو شائعٌ عن الشرق الأوسط، تتوجه نسبةٌ كبيرةٌ من النساء إلى التخصُّص في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات وغالباً ما يبنين مسارات مهنية مزدهرة. فوفقاً لليونسكو، تحتلُّ الدول العربية مرتبة أعلى من أوروبا الوسطى والشرقية، وأمريكا الشمالية، وأوروبا الغربية عندما يعود الأمر إلى التكافؤ بين الجنسين، إذ تشكِّل النساء ٤١,٥ بالمئة من الباحثين في الشرق الأوسط. ولكن لا يُغني ذلك عن إحراز تقدمٍ إضافيٍ، بل هو في الواقع أمرٌ محبَّذٌ. أمَّا بالنسبة للشابات اللواتي يطمحن إلى تأسيس حياة مهنيَّة في مجال العلوم النووية، تتوجَّه لورا مكمانيمان لهنَّ بكلماتٍ صداها مدوٍّ: "لا تشكِّكن بأنفسكنَّ. "

وتبلغ ماكمانيمان من العمر ٣٥ عاماً وهي خبيرةٌ في إدارة الوقود المستهلك في الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وهي تترأس حالياً مشروعاً بحثياً يضمُّ علماء من ١٠ بلدانٍ بهدف تطوير قاعدة معارفَ تقنيةٍ حول تأثُّر الوقود المستهلك والمواد المستخدمة في المفاعل النووي في بيئات التخزين الرطب والجاف. وخلال مسيرتها بدءاً من مسقط رأسها في وسط مدينة ليفربول وصولاً إلى تولّيها مركزاً عالياً في المجال النووي، تعلَّمت ماكمانيمان اعتناق التغيُّر وتقبُّله واغتنام الفرص المناسبة حتى لو انطوى ذلك على تخطي عقبات عديدة في مجالٍ يُهيمن عليه الرجال إلى حدٍّ كبير.

ولقد بدت بعض هذه العقبات تافهة آنذاك – كالمرة التي علقت في غرفة رصد النشاط الإشعاعي في محطة للطاقة النووية – ولكنها أحدثت فرقاً في حياتها اليومية أثناء محاولتها دخول العالم النووي. وتسترجع ماكمانيمان هذه الذكريات وهي تضحك، قائلةً: "بُنِيَت تلك المحطة في الستينات وفي ذلك الوقت لم تكن النساء تعمل في محطات الطاقة النووية، لذلك صُمِّمت المرافق لتناسب حجم الرجل العادي. وبما أنني أصغر من الرجل العادي لم أتمكن من الوصول إلى المكان المناسب لوضع يديّ وبالتالي لم أستطع الخروج!"

وتتمتَّع العلوم والتكنولوجيا النووية بالقدرة على مواجهة تحديات عديدة مثل التغيُّر المناخي وانعدام الأمن الغذائي وحتى فيروس كوفيد-١٩، ولكن هناك حاجة إلى قوة عاملة تضمُّ المزيد من النساء. فعندما لا يكون نصف سكان العالم مُمَثَّلاً في قطاع معيَّن، لا يضيِّع العالم مواهب وأفكار محتملة وعديدة فحسب، بل إنَّ احتمال أن تلبِّي الابتكارات الناتجة احتياجات الجميع يكون أقل أيضاً. لهذا السبب تسعى الوكالة لضمِّ قوة عاملة متنوعة وشاملة حيث يمكن لكلٍّ من النساء والرجال المشاركة في التكنولوجيا النووية والاستفادة منها. ولهذه الغاية أطلقت الوكالة مؤخراً برنامج المنح الدراسية ماري سكلودوفسكا كوري لإلهام الفتيات وتحفيزهن على السعي إلى هذه المسارات المهنية وعلى المساعدة في حثِّ التطورات العلمية والتكنولوجية في بلدانهن.

لقد نَشأت في موطن فريق البيتلز ونادي ليفربول لكرة القدم، وقصدت هناك مدرسة في منطقة معوزة واكتشفت شغفها بالكيمياء بفضل البرامج التي ساعدت الأطفال الذين يتمتَّعون بمواهب علمية. بعد ذلك، التحقت بجامعة ليفربول للدراسة. وقالت ماكمانيمان التي تعيش حالياً في مدينة فيينا مع زوجها وولديها البالغَين من العمر خمس وثماني سنوات: "دعمني والداي كثيراً، فكنت أوَّل شخص في عائلتي يلتحق بالجامعة."

وانطلقت بداية مسيرتها في مجال تطوير العقاقير ولكنها أدركت بعيد ذلك أنها تريد التوسُّع خارج نطاق العمل في المختبر. فاطلعت على الوظائف المحتملة في القطاع النووي وارتأت أنه قد يجمع بين البقاء في مجال العلوم والعمل على مستوى عالمي. وقالت الدكتورة كايت كروبر، زميلتها سابقاً في الجامعة: "كان واضحاً وضوح الشمس أن لورا كانت عالمة كيمياء موهوبة ومتحفِّزة بشكل كبير. والآن أثبتت أيضاً أنها عالمة نووية مذهلة."

وسعياً وراء طموحها، حصلت ماكمانيمان بعد تخرُّجها على وظيفة في شركة سيلافيلد المحدودة (التي كانت تعرف آنذاك بهيئة الطاقة النووية البريطانية) في كمبريا، في الساحل الشمالي الغربي لإنجلترا. وقالت: "لقد سمعت الكثير من الدعابات عن هومر سمبسون والتوهُّج في الظلام، ولكن بالرغم من ذلك أعلم أنني اتخذت القرار الصحيح."

وبدأت ماكمانيمان بالعمل على تطوير اختبارات لإدخال وحدة المبخر في الخدمة في مصنع إعادة معالجة الأكسيد الحراري (THORP) وتنفيذها، وهو مصنع لإعادة معالجة الوقود النووي في سيلافيلد. وقال ديفيد هيوز، كبير مهندسي العمليات في ذلك الوقت: "سرعان ما أصبحت لورا معروفة وموثوقة في فريق الإدخال في الخدمة بسبب طريقتها الهادئة والواثقة والفعالة في تشخيص المشكلات وحلِّها".

وواجهت ماكمانيمان أيضاً عقبات مهنية متعلَّقة بالجنس، مثل الاضطرار إلى ارتداء أحذية مطاطية للرجال حجمها أكبر من حجم قدمها بكثير، أو معدات وقائية ضخمة. والسبب هو أنه لم تكن المرافق والمعدات مُصمَّمة للنساء لأنه لم يعمل عدد كبير منهن في هذا المجال.

وقد يغدو العمل ضِمنَ "أقليَّة مهنية" أمراً محبطاً في بعض الأحيان ولكنَّ ماكمانيمان لم تشكك أبداً بخيارها الوظيفي. "لقد منحني العمل في هذا المجال وجهة نظر مختلفة وساعدني على فهم التفاصيل التقنية والحاجة إلى رؤية الصورة الكبيرة بشكل أفضل،" قالت ماكمانيمان التي قرَّرت التخصّص في تخزين الوقود المستهلك بعد مشاركتها في  اجتماع تقني للوكالة في عام ٢٠٠٩. "ما تلبث الأمور تتغيَّر في المجال النووي، تماماً كباقي المجالات، حيث ينضمُّ المزيد من النساء ويتغيَّر المجال ليراعي الفوارق بين الجنسين."

انضمت ماكمانيمان (على اليمين) إلى قسم دورة الوقود النووي وموارده في ٢٠١٨.

وقال كليمونت هيل، رئيس قسم دورة الوقود النووي ومواده: "عندما انضمت لورا إلى الوكالة في العام ٢٠١٨، أحضرت معها معرفة قيِّمة وأضافت أيضاً نشاطاً وديناميكيَّة إلى فريقنا. وبما أن ٣٠ دولة فقط تشغِّل حالياً محطات للطاقة النووية، لا تزال الخبرة والتجربة الواسعتان والشاملتان ضئيلتين. ويعدُّ إلهام وتحفيز المزيد من النساء للانضمام إلى هذا المجال أساسياً لضمان قوة عاملة متوازنة بين الجنسين. لذلك تعتبرُ لورا مثالاً جيداً للأجيال القادمة على أن الوصول إلى هذا الهدف ممكن."

وهي عضو في مجلس إدارة المؤتمر النووي العالمي للشباب ومناصرة لجعل المجال النووي شاملاً أكثر، ليس بالمزيد من النساء فحسب بل أيضاً بالمحترفين الشباب. وقالت: "سواءً كانت دولة ما تشرع في استخدام الطاقة النووية أو أنها تخطَّط للتوقُّف التدريجي، سيدوم مجال الطاقة النووية لسنوات عديدة وسيقدِّم وظائف في مجالات متنوِّعة. وهناك حاجة كبيرة لاستقطاب الشباب إلى هذا المجال بما أن القوة العاملة الحالية في العديد من البلدان تتقدَّم في السنِّ في حين يجدر الحفاظ على الخبرة المكتسبة."

وسيساعد الجيل القادم على تشكيل مستقبل مجال الطاقة النووية بإتباع مسيرة الروَّاد مثل ماكمانيمان، ليس فقط عبر إضافة أحجام مختلفة من الأحذية ومعدات وقائية، بل من خلال دعم رؤية شاملة حيث يُمثَّل الرجال والنساء على قدم المساواة.

للتواصل معنا

الرسالة الإخبارية