You are here

حلقة عمل تنظمها الوكالة الدولية للطاقة الذرية تسلّط الضوء على إدارة التراث الثقافي باستخدام العلوم النووية

,

عُملة نقدية قديمة خضعت للدراسة باستخدام الأشعة السينية لتحديد تركيبتها ومصدرها. (الصورة من: دينا عطوى/المعهد القومي لعلوم الليزر في القاهرة)

قد تكون الإسكندرية سُميت تيمناً باسم مؤسسها الشهير، لكنّ مصر شهدت ولادة عدة مدن على طول ساحلها الشمالي قبل وقت طويل من غزو جيوش الإسكندر الأكبر. وقد اعتاد علماء الآثار والباحثون على استخراج القطع الأثرية القديمة من خليج أبو قير بالقرب من الإسكندرية بانتظام، ودرجوا على استخدام التكنولوجيا والتقنيات النووية لدراسة هذه القطع وتأريخها.

السيدة دينا عطوة هي أحد هؤلاء الباحثين العاملين في مركز الترميم التابع للمتحف المصري الكبير. وبالتعاون مع المرفق الأوروبي للسنكوترونات الإشعاعية في فرنسا ومرفق السنكروترون في إليترا في إيطاليا، استخدمت السيدة دينا عطوة الإشعاعات السنكروترونية لدراسة مجموعةٍ من ثماني قطعٍ نقدية قديمة مُشبعة بالمياه، وهو أحد مجالات الدراسة الذي يُطلق عليه "دراسة الآثار المعدنية". ومن دون إتلاف القطع النقدية، استطاعت السيدة عطوة أن تكتشف بفضل الأشعة السينية التي أطلقها السنكروترون تفاصيل حول الطريقة التي صُنعت بها هذه القطع النقدية والمواد التي تتكون منها، بالإضافة إلى عمليات التآكل التي تعرّضت لها. وتعود هذه القطع النقدية إلى العصر البطلمي في مصر، في الفترة بين 305 قبل الميلاد و30 قبل الميلاد، وهي الحقبة التي تلت غزو الإسكندر الأكبر.

وقالت السيدة أليز سيمون وهي عالمة في الفيزياء النووية في الوكالة إنَّ " تقنيات المُعجِّلات يمكن استخدامها لدراسة القطع التراثية الثقافية وتقديم بيانات كمِّية عن عمرها وتاريخها وعمليات تصنيعها وتكوينها."

والسيدة عطوة هي أحد الخبراء الـ125 الذين وُجِّهت لهم دعوة هذا الصيف إلى فيينا بالنمسا، والمنحدرين من 48 دولة من بينها الأردن وتونس وسلطنة عمان ومصر والمغرب والمملكة العربية السعودية ولبنان واليمن، من أجل تقديم أبحاثهم في حلقة العمل التي نظمتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول النُهج الإبتكارية لعلوم وتكنولوجيا المعجِّلات فيما يتعلق بإدارة التراث المستدامة. وهو اجتماع حضوري وافتراضي امتدّ على مدار أربعة أيّام، وركّز على تبادل المعلومات والتِّقنيات والفُرص للتعاون في الحفاظ على التراث الثقافي وفهمه.

وقالت السيدة أليز سيمون، وهي المسؤولة عن تنظيم حلقة العمل وعالمة في الفيزياء النووية في الوكالة ومتخصِّصة في المُعجِّلات النووية، إنّ " تقنيات المُعجِّلات يمكن استخدامها لدراسة القطع الأثرية الثقافية وتقديم بيانات كمِّيّة عن عمرها وتاريخها وعمليات تصنيعها وتكوينها." وهي تتولى قيادة عملية تحديد خصائص القطع الأثرية، وقد أضافت قائلةً إنَّ "استخدام التِّقنيات النّووية يُمكِّننا من دراسة القطع الأثرية لفهم ماضينا وللمحافظة عليها من أجل المستقبل. ومن خلال جمع الباحثين في حلقة العمل هذه، فإننا نعزّز وجود مجتمعٍ من الخبراء في التقنيات النووية للنهوض بعلوم الآثار والأنتروبولوجيا والطب الشرعي من أجل تحقيق إدارة مستدامة للتراث حول العالم."

" تقنيات المُعجِّلات يمكن استخدامها لدراسة القطع الأثرية الثقافية وتقديم بيانات كمِّيّة عن عمرها وتاريخها وعمليات تصنيعها وتكوينها."
أليز سيمون، عالمة في الفيزياء النووية في الوكالة

محاربة التجارة غير المشروعة

ركّزت إحدى الجلسات على استخدام التِّقنيات النووية في محاربة التجارة غير المشروعة في القطع والمواد التراثية. وتولّى السيد بلال نصولي، مدير الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية ورئيس مجلس الاتفاق التعاوني للدول العربية الواقعة في آسيا للبحث والتنمية والتدريب في مجال العلم والتكنولوجيا النوويين (عراسيا)، التنسيق بين أعضاء اللجنة، وتطرّق إلى دراسات الحالات الإفرادية وشدّد على أهمية التعاون بين الأعضاء والتواصل فيما بينهم من أجل بناء القدرات اللازمة لدعم مشاريع جديدة.

ومن بين أعضاء هذه اللجنة، السيدة لينا باسل، وهي مسؤولة مشاريع مساعدة مُتخصصة في العلوم التراثية في الوكالة، وقد شدّدت على الجهود الدَّولية الرَّامية إلى التواصل بشأن القطع الأثرية المسروقة وإيجادها بالتعاون مع الإنتربول والمجلس الدولي للمتاحف. وقالت، وهي تقدم دراسة حالة إفرادية لمومياء تعود لأميرة إيرانية، إنّ "التِّقنيات النووية هي أدوات فعّالة لتحديد أصالة ومصدر القطع الأثرية ومحاربة التجارة غير المشروعة".

دراسة التراث الثقافي حول العالم والمحافظة عليه

استخدم معهد تايلند للتكنولوجيا النووية الأشعة السينية الفلورية المحمولة، وهي إحدى التقنيات النووية التحليلية، لتحديد التركيبة الكيميائية لحوالي 400 قطعة أثرية من الذهب تعود لمملكة أيوثايا. (الصورة من: س. خويرات/ معهد تايلند للتكنولوجيا النووية)

وخلال العرض الذي قدّمته السيدة ساسيفان خويرات من معهد تايلند للتكنولوجيا النووية في الدورة المُخصصة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، تحدّثت عن القدرات العديدة للتِّقنيات النووية التي يستخدمها المعهد لتحديد خصائص القطع الأثرية والمحافظة عليها، بما في ذلك التأريخ باستخدام الكربون المُشِعّ والإشعاع الضوئي، والأشعة السينية الفلورية وتحليل بُنية هذه القطع الأثرية باستخدام تقنية حيود الأشعة السينية والتنشيط النيوتروني، بالإضافة إلى التصوير المقطعي باستخدام النيوترون وأشعة غاما والأشعة السينية، والتشعيع بحُزَم غاما وحُزَم الإلكترونات. ووصفت الكيفية التي تُستخدم بها هذه التقنيات لتحديد خصائص القطع الأثرية المصنوعة من الذهب والأحجار الكريمة التي تعود لمملكة أيوثايا، وهي حضارة كانت موجودة في جنوب شرق آسيا في تايلند بين عامي 1351 و1767.

وقالت السيدة خويرات "لطالما اعتقدنا لفترة طويلة في الماضي بأنّ تايلند والبلدان في المنطقة لديها الكثير من الذهب، لكن اليوم لا يوجد الكثير منه. ويمكن للتقنيات النووية أن تساعدنا في فهم مصدر الذهب الموجود في أيوثايا، وما إذا كان محلياً أو مستورداً". وأوضحت كيف استخدم معهد تايلند للتكنولوجيا النووية الأشعة السينية الفلورية المحمولة، وهي إحدى التقنيات النووية التحليلية، لتحديد التركيبة الكيميائية لحوالي 400 قطعة أثرية من الذهب تعود لمملكة أيوثايا بالإضافة إلى تقنية التصنيع المُتَّبعة آنذاك.

وأظهرت البيانات بأنّ القطع الأثرية ذات تركيبة كيميائية مُشابهة، ما يعني إمكانية عزوها إلى مصدر مُحدَّد من المواد الخام.

ويتطلّع الباحثون في النمسا أيضاً إلى تعزيز استخدام العلوم النووية في الدراسات الثقافية والمحافظة على القطع الأثرية. وبالتزامن مع حلقة العمل التي نظمتها الوكالة، نظمت منصة العلوم التراثية بالنمسا Heritage) Science Austria) في الجامعة التقنية في فيينا حفلاً يُظهر الجهود التي تبذلها المنصة للانضمام إلى هياكل الأبحاث الأوروبية للعلوم التراثية كما عُرضت أمثلة حول تطبيقات العلوم النووية في تحديد خصائص التراث الثقافي الأوروبي.

وفي الدورة المشتركة، شرحت السيدة كلوديا هراديل، وهي عالمة رئيسية كبيرة في مركز الأشعة السينية التابع للجامعة التقنية في فيينا، كيف جمعت منصة العلوم التراثية بالنمسا العُلماء النمساويين الذين يعملون في العلوم التراثية وكيف تمكّن هؤلاء العلماء من إنشاء شبكة من التخصصات البحثية. وأضافت قائلةً إنه "بالانضمام إلى هياكل الأبحاث الأوروبية للعلوم التراثية والتعاون بشكل أكبر مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، نتطلّع إلى توسيع شبكتنا وبناء المعرفة على مستوى دَولي فيما يتعلّق باستخدام التقنيات النووية للتراث الثقافي. وهذا مجال من مجالات العلوم بوسعه بالفعل أن يجمع الناس معاً."

للتواصل معنا

الرسالة الإخبارية