You are here

استخدام التِّقنيات النَّووية للحفاظ على القطع الفنِّية والأثرية

,
Artefacts, workshop participants Grenoble

زيارة المشاركين في حلقة عمل الحفاظ على التراث الثقافي في مدينة غرونوبل في فرنسا إلى متاحف مختلفة تستخدم التقنيات النوَّوية للحفاظ على القطع الأثرية (الصورة من: الوكالة الدولية للطاقة الذرية).

على مدى العقود الماضية، استخدمت العديد من المتاحف والمؤسَّسات حول العالم التِّقنيات النَّووية للمساعدة في الحفاظ على بعض أهم القطع الأثرية التاريخية والثقافية في العالم. بدءاً من الفرعون المصري الشهير رمسيس الثاني وصولاً إلى الحيوانات المحنَّطة في تونس، تؤدّي تكنولوجيا الإشعاع دوراً أساسياً في الحفاظ على التراث الثقافي وتحديد خصائصه. وأشار لوران كورتيلا، وهو مدير الإنشاءات والمهندس في الفيزياء النووية بمختبر آ إر سي-نوكليار (ARC-Nucleart)، إلى أنّه "قبل استخدام التقنيات النووية في عملية الحفاظ على القطع الأثرية، غالباً ما كانت هذه القطع تتحلل بسبب عوامل بيولوجية، أو تتآكل وتذبل مع مرور الوقت، مما يجعلها تفقد جزءًا من قيمتها الثَّقافية".

وعلى مدى نصف القرن الماضي، عُولِجت هذه المشكلة من خلال استخدام أشعة غاما للحفاظ على التحف الأثرية والتاريخية والإثنوغرافية الثقافية. وعلينا أن نواصل العمل لفهم كيف تضرَّرت هذه التُحف وتطوير تقنيات معالجة جديدة حتى تتمكن المتاحف في جميع أنحاء العالم من عرض تُحفٍ فنِّية ثمينة".

 

قبل إعادة ترميم تمثال القديس موريس، كانت أرجل الحصان متضررة بسبب تعرُّضه لهجوم الحشرات وللتآكل بسبب الفطريات. وقد سمح استخدام التقنيات النووية بإعادة ترميم التمثال إلى شكله الأصلي تقريباً. (الصورة من: مختبر ARC-Nucleart).

وغالباً ما تتعرَّض التُّحف الخشبية مثلاً لهجومٍ من الحشرات والفطريات والطحالب، مما يُضعف هيكلها ويجعلها عرضةً للتدهور. فقد تعرّض تمثال القديس موريس الشهير وهو القائد العسكري المصري للكتيبة الطيبية الأسطورية في روما في القرن الثالث، والذي يعود إلى أوائل القرن الثامن عشر، لضررٍ كبيرٍ في هيكله. وقد قام خبراء الترميم في مُختبر آ إر سي-نوكليار مؤخَّراً باستخدام أشعة غاما لتطهيره والمساعدة في إعادة ترميم هيكله الأصلي.

تعقيم مومياء رمسيس الثاني

مومياء رمسيس الثاني في متحف الإنسان في باريس

بدأت مومياء رمسيس الثاني، أثناء عرضها في متحف القاهرة، تظهر علامات انتشار الحشرات بحلول عام 1975 بسبب البيئة الحارة والرَّطبة، والغطاء الزجاجي غير المُغلق بإحكام المستخدم لحمايتها. وفي إطار معرض أقيم في باريس عام 1976 حول موضوع رمسيس الثاني والعديد من القطع الأثرية المتعلقة بعهده، نُقِلت المومياء إلى فرنسا لفحصها من قبل المتحف الوطني الفرنسي للتاريخ الطبيعي. وبعد أن تضرَّرت في الماضي من يرقات الحشرات، تم العثور على أنواعٍ كثيرة ومختلفة من الفطريات كانت قد اجتاحت المومياء أيضاً، على الرغم من عدم وجود أي بكتيريا مسبِّبة للأمراض. وبالاتفاق مع السُّلطات المصرية، تَقرَّر بالتالي تعقيم المومياء عن طريق استخدام أشعة غاما، وهي عملية استُخدمت لسنوات عديدة في مختبر نوكليار (الذي أعيدت تسميته بـ آ إر سي-نوكليار في عام 1987) الموجود في مركز أبحاث غرونوبل التابع لهيئة الطاقة الذرية والبديلة الفرنسية.

وساهمت العديد من العوامل في نجاح عملية التعقيم، حيث حُوفِظ على مومياء رمسيس الثاني في ظروف ممتازة وهي لا تزال محفوظة بعد حوالي أربعين عاماً. وبذلك أثبتت عملية التشعيع أنها فعالة للغاية في معالجة هذه الحالة المعقدة.

تحنيط الحيوانات في تونس

حيوانات مُحنَّطة عبر أشعة غاما في المتحف الوطني بقرطاج

منذ عام 2005، يستخدم المركز الوطني للعلوم والتكنولوجيا النووية في تونس تكنولوجيا أشعة غاما للحفاظ على القطع التراثية الثقافية الموجودة في المتاحف الوطنية المختلفة. وخلال عملية التحنيط، انصب التركيز على إجراء البحوث اللازمة لدراسة القطع الأثرية وتطوير أفضل الممارسات المتوافقة مع العلاج الإشعاعي، بالإضافة إلى تنفيذ المعالجات اللازمة للقضاء على الحشرات والتخلُّص منها.

تُظهر الصور أعلاه، المأخوذة من المتحف الوطني بقرطاج عام 2009، عملية القضاء على الحشرات وتعقيم الحيوانات المحنَّطة. وقد استخدمت المُحلِّلات الحيوية في هذه العملية لتقليل الكيراتين في الشعر والبشرة لدى العديد من الحيوانات.

دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الحفاظ على التُّحف الأثرية

تدعم الوكالة البلدان من خلال المشاريع البحثية المُنسَّقة لتطبيق العلوم والتكنولوجيا النَّووية، وذلك لفهم تاريخها الثقافي من خلال تسليط الضوء على القطع ذات الأهمية التاريخية أو الثقافية ومساعدة هذه البلدان في الحفاظ عليها. ويتِمُّ ذلك من خلال تقنيّات التحليل النَّووي كالتصوير الثنائي والثلاثي الأبعاد للقطع الأثرية باستخدام الأشعة الأيونية والأشعة السينية والنيوترونات والتأريخ بالنظائر المشعة ودمج القطع الأثرية والحفاظ عليها من خلال تطبيق منهجيات العلاج الإشعاعي. وبالاستناد إلى خبرة مختبر ARC-Nucleart وبالتعاون معه، تمكَّنت الوكالة عبر مشاريعها من مساعدة الخبراء، لا سيما في البرازيل والمكسيك ورومانيا، في الحفاظ على القطع الأثرية الخاصة بتراثهم الثقافي.

في أيلول/سبتمبر 2021، قامت الوكالة بتعيين أول مركزين متعاونين في مجال التراث الثقافي، وهما جامعة باريس- ساكليه الفرنسية والمركز القومي لبحوث وتكنولوجيا الإشعاع في هيئة الطاقة الذريَّة المصريَّة.

وبعد نجاح المنشور الذي صدر عام 2017 حول استخدامات الإشعاع المؤيِّن في حفظ القطع الأثرية الثقافية، تعمل الوكالة حالياً على إصدار منشورٍ جديدٍ يتناول إجراءات اختيار منهجيات التشعيع المناسبة وتطبيقها من أجل الحفاظ على الوثائق الأرشيفية والتُحف الثقافية، والذي من المُتوقَّع أن يُنشر هذا العام.

وتعمل الوكالة حالياً على ثلاثة مشاريع إقليمية للتعاون التقني تغطي آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي تهدف إلى تعزيز قدرات البلدان على اعتماد التِّقنيات الإشعاعية والنووية التي تدعم تحديد خصائص التراث الثقافي وحفظه. ويشير تومو فوروساوا، وهو موظَّف إدارة البرامج في الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنّه "من خلال الجمع بين مهارات الخبراء التقنيين من مختلف المجالات النووية ومعرفتهم، بدءاً بالتصوير النَّووي وصولاً إلى اختصاصيي الكيمياء الإشعاعية، مروراً بمحللي النظائر والمؤرخين، تقدِّم الوكالة الدَّعم اللازم للبلدان بشأن كيفية استخدام التقنيات النَّووية في الحفاظ على تاريخ الفنِّ والتُّحف ذات الأهمية التاريخية والثقافية وفهمها، وهي تعطي بذلك مثالاً رائعاً لتسخير الذَّرة من أجل السَّلام".

ويتزايد الاهتمام بالمحافظة على التراث الثقافي من خلال التِّقنيات النَّووية حيث تنظِّم الوكالة  المؤتمر الدولي بشأن تطبيقات العلوم والتكنولوجيا الإشعاعية (إيكارست 2022)، الذي سيعقد في الفترة بين 22 و26 آب/أغسطس 2022، وسيتضمَّن أيضاً اجتماعات مُكرَّسة لهذا الموضوع.

للتواصل معنا

الرسالة الإخبارية