لطالما كان استنساخ الاندماج النووي، وهو المصدر الذي تستمد النجوم منه القوى، تحديًّا كبيراً على الأرض منذ التجارب الأولى التي أجريت في الخمسينيات. واليوم يواصل العلماء والمهندسون تحقيق اكتشافات جديدة، وقد اقتربوا في الوقت الحالي من جعل هذا المصدر غير المحدود للطاقة حقيقة ملموسة على أرض الواقع. وعلى مر السنين، صُمِّمت وشُيِّدت مجموعة متنوعة من أجهزة الاندماج التجريبية، بما في ذلك التوكاماك والستِلّلاريتُور والتكنولوجيا القائمة على الليزر، لإحراز تقدمٍ في استنساخ الاندماج النووي وإحداث تغيير جذري يوماً ما في الطريقة التي نولَّد بها الطاقة.
ويوجد حاليًّا أكثر من 130 جهازاً تجريبيًّا للاندماج النووي، في القطاعين العام والخاص، قيد التشييد أو التخطيط على الصعيد العالمي، وتعمل هذه الأجهزة وفق نُهُجٍ مختلفة لإنتاج تفاعلات اندماجية، ولها تصميمات متنوعة. ولاستعراض هذا العدد الكبير من الأجهزة، نشرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية (الوكالة) تقريراً جديداً بعنوان "World Survey of Fusion Devices 2022" (دراسة استقصائية عالمية حول أجهزة الاندماج لعام 2022)، يتناول أجهزة الاندماج النووي في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك جمهورية إيران الإسلامية وليبيا ومصر والولايات المتحدة الأمريكية.
ويستفيض التقرير في تناول المعلومات المتاحة في قاعدة البيانات "نظام المعلومات عن أجهزة الاندماج (FusDIS)" الإلكترونية التابعة الوكالة.
وقال ماتيو باربارينو، أخصائي في مجال اندماج البلازما النووية في الوكالة: "عندما ندرك أهمية الاندماج سيعود ذلك بالمنفعة على كل بلد وسيعمل إلى جانب الطاقة النووية وغيرها من أشكال الطاقة المستدامة، للدعم في التخفيف من حدة تغيُّر المناخ والإسهام في تنويع مصادر الطاقة. ويعمل الباحثون والمهندسون في جميع أنحاء العالم على استكشاف تصميمات أجهزة الاندماج النووي المختلفة لإحراز التقدم في هذا المجال. ويوفر منشورنا الجديد لمحة عامة شاملة عن أنشطة البحث والتطوير في مجال الاندماج النووي من منظور قدرات هذه الأجهزة."
والاندماج النووي هو العملية التي تندمج خلالها نواتان ذريتان لتكوِّنا نواة واحدة أثقل، ويصاحب هذه العملية انبعاث كميات هائلة من الطاقة. لكن تحقيق تفاعلات مستمرة ومضبوطة للاندماج في بيئة عملية يرتبط بعددٍ من التحديات العلمية والتقنية. وللحفاظ على استمرار هذه التفاعلات، يجب أن يكون الوقود، الذي يتألف عادة من نظائر الهيدروجين، محصوراً ومحفوظاً تحت ضغط شديد وفي درجات حرارة مرتفعة للغاية تتجاوز أضعاف الدرجة المسجلة لحرارة قلب الشمس.
ولا يزال يُحرز تقدم كبير في هذا الصدد. وقد أجرى أكثر من 30 بلداً تجارب باستخدام أنواع مختلفة من أجهزة الاندماج النووي، وغالباً ما كانت تحقق تفاعلات اندماجية، وإن كانت تُجرى لفترات قصيرة دون توليد كميات فعالة من الطاقة حتى الآن.