ستكون الطاقة النووية أكثر الوسائل فعالية من حيث التكلفة لإنتاج الهيدروجين النظيف عندما تبلغ أسعار الغاز الطبيعي مستوياتٍ أعلى بكثير من المستويات المنخفضة عموماً التي شاهدناها على مدى العقد الماضي، وذلك وفقاً لدراسة جديدة للوكالة الدولية للطاقة الذرية شدَّدت على أهمية وجود مزيج متنوع من المصادر المنخفضة الكربون من أجل إنجاح عملية الانتقال إلى الطاقة النظيفة.
فباستخدام إطار نمذجة نُظم الطاقة (FRAMES) الجديد التابع للوكالة، وجدت الدراسة أنه مع ارتفاع أسعار الغاز، فإن المزيج الأمثل من تكنولوجيات إنتاج هيدروجين منخفض الكربون يتحوَّل لصالح الطاقة النووية والمتجددة وبعيداً عن الغاز الطبيعي مع احتجاز الكربون وخزنه أو بدون ذلك. وبينما ركزت الدراسة على بلد معين، يمكن تطبيق نتائجها بشكل عام على أسواق الطاقة الأخرى.
وقال فرانشيسكو جاندا، المهندس النووي بالوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي أجرى الدراسة: "يحدث هذا التحوُّل في تكاليف الغاز الطبيعي التي هي أقلّ بكثير - قرابة 10 إلى 15 دولاراً أمريكياً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية - من تلك التي لوحظت في الأيام الأخيرة في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وأجزاء من آسيا"، في إشارة منه إلى الأسعار الفورية المرتفعة القياسية في هذه الأسواق والتي تراوحت بين 35 و 40 دولاراً أمريكياً لكلّ مليون وحدة حرارية بريطانية، وهو مقياس مستخدم عالميًّا لمحتوى الطاقة من الغاز الطبيعي.
وتأتي الدراسة القائمة على إطار نمذجة نُظم الطاقة (FRAMES) قبلَ مؤتمر الأمم المتحدة المعنيّ بتغيُّر المناخ المقرّر الشهر المقبل، حيث ستعقد الوكالة العديد من الفعاليات الرامية للتأكيد على إسهام الطاقة النووية في تحقيق أهداف اتفاق باريس وخطة عام 2030 للتنمية المستدامة. ويُنظر على نحو متزايد إلى الهيدروجين النظيف بأنه يقوم بدور رئيسي في عملية الانتقال إلى الطاقة النظيفة كجزء من مزيج طاقة منخفض الكربون يمكن التعويل عليه.
وكنقطة مرجعية أساسية لمتوسط سعر الغاز الطبيعي، استخدمت الدراسة القائمة على إطار نمذجة نُظم الطاقة سعرَ 6 دولارات أمريكية لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وهو السعر التقريبي في أسواق مثل أوروبا مؤخراً حتى الربيع الماضي قبل ارتفاع الأسعار الأخير. وكان هذا أيضاً هو السعر المستخدَم في دراسة أجرتها مؤخراً شركتا يورينكو/أورورا عن سوق المملكة المتحدة في عام 2050 بعنوان "إزالة الكربون في الهيدروجين في اقتصادٍ ذي صافي انبعاثات صفري" والتي أظهرت أن الطاقة النووية مقترنةً بمصادر الطاقة المتجددة يمكن أن تخفض التكاليف الإجمالية لنُظم إنتاج الهيدروجين.
والهيدروجين هو العنصر الأكثر وفرةً في الكون، بَيْدَ أنَّ عمليات إنتاجه في شكل نقي لاستخدامه في العمليات الصناعية، من إنتاج الوقود الاصطناعي والبتروكيماويات إلى تصنيع أشباه الموصلات وتشغيل المركبات الكهربائية التي تعمل بخلايا الوقود، مستهلِكة للطاقة بكثافة وتتمُّ حالياً بالكامل تقريباً باستخدام أنواع الوقود الأحفوري، في الغالب الغاز الطبيعي، في معدات تُعرف باسم وحدات إعادة تشكيل الميثان بالبخار. ولتقليل الأثر البيئي لتسعين مليون طن من الهيدروجين يتمُّ إنتاجها سنوياً، ومع التطلع إلى زيادة الإنتاج لتلبية الأهداف المناخية، تتطلع عدّة بلدان إلى العمليات النووية لتوليد هيدروجين منخفض الكربون على نطاق واسع جداً وعلى نحو تنافسي من حيث التكلفة.
وعندما ترتفع أسعار الغاز الطبيعي إلى أكثر من 20 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، أظهرت الدراسة القائمة على إطار نمذجة نُظم الطاقة أن الطريقة المثلى لإنتاج الهيدروجين تصبح في شكل مزيج من الهيدروجين الناتج بالتحليل الكهربائي من الكهرباء التي يتم توفيرها من خلال مجموعة من مصادر الطاقة المتجددة ومحطات القوى النووية التقليدية والعمليات الحرارية التي يمكن توفيرها في نهاية المطاف من خلال المفاعلات النووية المتقدمة المرتفعة الحرارة.
والاهتمام الدولي بالمفاعلات النووية المرتفعة الحرارة في تزايد إذ من المتوقع أن توفر هذه المفاعلات كهرباء مجدية من حيث التكلفة بالإضافة إلى درجات الحرارة العالية اللازمة للتطبيقات الصناعية. والمفاعلات النووية المرتفعة الحرارة، حيث كانت ألمانيا صاحبة الريادة في هذا المضمار في سبعينيات القرن العشرين، قيد التطوير حالياً في عدة بلدان، وأحرزت اليابان تقدُّماً كبيراً فيها، وبدأت الصين مؤخراً أول وحدة للمفاعلات النووية المرتفعة الحرارة في مقاطعة شاندونغ. وتعتزم الصين في نهاية المطاف نشر المزيد من المفاعلات النووية المرتفعة الحرارة في الموقع المذكور وفي مقاطعات أخرى للجمع بين توليد الطاقة والحرارة المستخدمة في المعالجة الصناعية وتطبيقات أخرى، بما في ذلك إنتاج الهيدروجين.
ويُستخدم إطار نمذجة نُظم الطاقة حالياً للتحليلات الداخلية التي تجريها الوكالة حالياً لنظم الطاقة المتكاملة. وهو يوفر تحليلات كمية للفوائد المحتملة للقوى النووية فيما يخص نُظم الكهرباء الحالية والمستقبلية، وهو أمر ذو أهمية خاصة للبلدان التي تسعى نحو الأخذ بالقوى النووية أو تفكر فيها كجزء من حلها لتحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفري.