You are here

القضاء على الخلايا السرطانية بنجاعة غير مسبوقة: بزوغ عهد جديد في مجال العلاج الإشعاعي

من مجلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية
,
tumour-ar

حالة سرطان كبد سيتم علاجها بالاستعانة بطريقة متقدّمة من العلاج الإشعاعي تُعرف باسم العلاج الإشعاعي الجسدي المجسّم (الصورة من: المعهد القومي للأورام، مصر)

أحدثَ الإشعاع نقلة ثورية في عالم الطبّ عندما استُخدم للمرة الأولى في علاج السرطان في عام ١٩٠١. غير أنّ استخدامه قد تطوَّر بقدر ما أتاحته الابتكارات التقنية لا أكثر.وبفضل ما تحقق من تقدُّم في الفيزياء والتكنولوجيا والحوسبة، يدخل العلاج الإشعاعي حقبة جديدة من الدقة والفعالية والأمان، وتساعد الوكالة على ضمان استفادة المرضى في شتى أنحاء العالم من أوجه التقدُّم المحرَز في مجال العلاج الإشعاعي.

 وقالت السيدة مي عبد الوهاب، مديرة شعبة الصحة البشرية في الوكالة: "يمكن لأوجه التقدُّم المحرَز أن تحسّن نوعية حياة المريض خلال علاجه. وبالنسبة للعديد من أنواع السرطان، من شأن ذلك أن يحسّن الاستهداف، ويقلّل معاوَدة المرض، ويعزّز معدلات البقاء على قيد الحياة. وإلى جانب ذلك، من شأن بعض هذه التكنولوجيات الجديدة، مثل العلاج الإشعاعي الجسدي المجسّم، أن تتمّم دور العلاجات الجديدة في إطار العلاج المناعي عبر تحسين استمناع السرطان".   

فأكثر من ١٤مليون شخص يُصابون بالسرطان سنوياً حول العالم.ويتلقّى قرابة نصف مرضى السرطان علاجاً إشعاعياً في مرحلة ما من علاجهم (انظر مربع العلوم)، وغالباً ما يُعطى العلاج الإشعاعي بالاقتران بطُرق علاجية أخرى، مثل الجراحة والعلاج الكيميائي.

وتواجه عدّة بلدان نامية تحدّيات في مواكبة التكنولوجيا والأساليب الآخذة بالتطور. ومن خلال الدعم المقدَّم من الوكالة تنظّم البلدان في جميع أنحاء العالم التدريب وتتلقَّاه في مجال العلاج الإشعاعي، وهي آخذة بالانتقال بأمان نحو تقنيات متقدّمة. وفي هذا الصدد، قالت السيدة مي عبد الوهاب: "تعمل الوكالة دون كلل لمساعدة بلدان العالم على توفير خدمات العلاج الإشعاعي عالية الجودة كي يحصل جميع المرضى على هذه الأدوات والأساليب المنقِذة لحياة الإنسان ويستفيدون منها".

العلاج الإشعاعي الجسدي المجسّم هو مجرّد نهج جديد في العلاج الإشعاعي، ويشهد هذا المجال نمواً سريعاً ونحن نخطط لمواصلة العمل بشكل وثيق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمساعدتنا على البقاء في المقدمة، وفي الوقت نفسه توسيع التعاون والدعم المقدَّم للدول الأخرى
طارق شومان، رئيس قسم العلاج الإشعاعي للأورام، المعهد القومي للأورام، مصر

الغاية من العلاج الإشعاعي

يهدف العلاج الإشعاعي إلى تحقيق أقصى قدر ممكن، وعلى نحو مأمون، من الفعالية العلاجية لورم ما باستخدام الإشعاع، مع إبقاء الضرر الذي يلحق بالأنسجة الطبيعية والأعضاء الحرجة المجاورة للورم في جسم المريض ضمن أضيق نطاق ممكن. وللقيام بذلك، يتعيَّن على المختصين في البداية تقييم الورم تقييماً دقيقاً والتخطيط للعلاج باستخدام التصوير التشخيصي وأدوات التخطيط.  ومن ثم يستخدم هؤلاء حزمة إشعاعية من جهاز العلاج الإشعاعي لإصابة الورم، بطريقة مأمونة، بجرعة إشعاعية مقاسَة بعناية.

وكلما زادت الجرعات الإشعاعية قتلت خلايا سرطانية أكثر، بَيْدَ أنها يمكن أن تشكّل خطراً أكبر على الأنسجة الطبيعية القريبة.  وفي هذا السياق، قالت السيدة مي عبدالوهاب: "لذا من المهمّ للغاية ضمان الاستهداف الدقيق للأورام وإعطاء جرعات إشعاعية دقيقة إذا ما أردنا علاجاً إشعاعياً مأموناً وفعّالاً. والعديد من أوجه التقدُّم التي نشاهدها في مجال العلاج الإشعاعي تتمحور حول تحسين وصقل هذين العنصرين".

خطط أكثر دقة لمحاربة السرطان

أتاح التقدُّم المحرَز في مجالَي التصوير الطبي والتخطيط العلاجي، على سبيل المثال، أن ينتقل أخصائيو علاج الأورام الإشعاعي من تقنيات العلاج الإشعاعي ثنائية الأبعاد إلى نظيراتها ثلاثية الأبعاد إلى جانب التصوير الطبي ذي الصلة وعملية رسم المحيط اللاحقة (وهي عملية التقاط صور للورم وتقييمه، وتحديد مكان انتهائه ومكان ابتداء الأنسجة السليمة). كما يساعد ازدياد عدد أدوات التخطيط المؤتمتة أخصائيي العلاج الإشعاعي للأورام على تسخير قوة الحوسبة في تحديد مواضع الأورام بالدقة اللازمة، والتخطيط لمقدار الإشعاع المستخدَم بالضبط، وتحديد الجزء المستهدف من الورم وزوايا استهدافه.

غير أنَّ الدقة العلاجية لا يمكن أن تقطع شوطاً بعيداً إلا بقدر ما تتيحه جودة الصور التشخيصية وقدرات جهاز العلاج الإشعاعي. وقد كانت الأجيال السابقة من التصوير التشخيصي أقلّ تفصيلاً، فيما كانت قدرات تكنولوجيا العلاج الإشعاعي محدودةً. وهذا يعني أن المتخصصين اضطروا إلى استخدام جرعات إشعاعية أقلّ على امتداد جلسات أكثر للحفاظ على سلامة المرضى، بل وأحياناً استبعدوا العلاج الإشعاعي كأحد الخيارات العلاجية تماماً، وذلك حسب حالة المريض.

غير أنَّ ذلك تغيَّر بظهور أدواتٍ وإجراءاتٍ من قبيل التشعيع الداخلي ثلاثي الأبعاد والعلاج الإشعاعي الموجَّه تصويرياً، والذي يستخدم التصوير المفصَّل للمساعدة على توجيه الإشعاع وتعديله بطريقة ديناميكية أثناء العلاج. وأتاح العلاج الإشعاعي الجسدي المجسّم إمكانية توفير علاج دقيق للغاية يطلق إشعاعاً من عدّة اتجاهات ويسمح بجرعات أكبر بكثير خلال فترات علاج أقصر.

تطويق الورم وقهره

 لقد أخذ العلاج الإشعاعي الجسدي المجسّم بالتحكُّمَ والدقة نحو أفق آخر. وما يجعله فريداً من نوعه هو استخدامه للصور رباعية الأبعاد، الارتفاع والعرض والعمق، وفي بعض المواقع، الحركة - لتخطيط وإيصال حُزم بالغة الدقة من الإشعاع لورم من زوايا مختلفة. ولكلّ حزمةٍ بحدّ ذاتها جرعة إشعاعية أقلّ، وبذلك فهي أكثر أماناً ويقلّل ذلك من مخاطر الآثار الجانبية للأنسجة الطبيعية في مسارها. وعند التقاء الحُزم عند الورم، فإنها تعرض الخلايا السرطانية إلى جرعة إشعاعية مشتركة أكبر. وهذا يعني عموماً عدد أقلّ من الجلسات اللازمة لعلاج المريض بشكل فعال.

وقال طارق شومان، رئيس قسم العلاج الإشعاعي للأورام في المعهد القومي للأورام في مصر، والذي يعمل مع الوكالة منذ ما يربو على عشرين عاماً: "بالنسبة لبعض أنواع السرطان التي لا يمكن إجراء جراحة لها أو لا يمكن علاجها بفعالية من خلال العلاج الإشعاعي التقليدي، يمثّل العلاج الإشعاعي الجسدي المجسّم فرصة جديدة للبقاء على قيد الحياة".

ويستخدم شومان وفريق العمل في المعهد القومي للأورام، جزئياً من خلال دعم الوكالة، ، العلاج الإشعاعي الجسدي المجسّم لعلاج سرطان الرئة المبكر وسرطان الرأس والعنق المتكرر، وكذلك نوع من سرطان الكبد يسمى سرطانة الخلايا الكبدية (HCC)، وهو السرطان الأكثر شيوعاً بين الرجال في مصر.

وبالنسبة لسرطان الكبد مثل سرطانة الخلايا الكبدية، فقد حسّن العلاج الإشعاعي الجسدي المجسّم خيارات العلاج الإشعاعي على نحو جذري، كما أوضح شومان. وسرطان الكبد هو الآن السبب الثالث الأكثر شيوعاً لوفيات السرطان في العالم. ولعدة أعوام، لم يكن بالإمكان علاج هذا النوع من السرطان بشكل فعال باستخدام الإشعاع؛ ولا يمكن للعلاج الإشعاعي التقليدي أن يوصل بأمانٍ جرعاتٍ إشعاعية كافية لعلاج ورم الكبد بسبب المخاطر التي تلحق بأنسجة الكبد السليمة المحيطة. وبفضل العلاج الإشعاعي الجسدي المجسّم، يمكن علاج حتى أورام الكبد الصغيرة جداً بجرعات أكبر من الإشعاع مع الحفاظ على الأنسجة السليمة.

وقد أظهرت الدراسات أن العلاج الإشعاعي الجسدي المجسّم يمكن أن يقلّل عدد المعالجات لسرطانة الخلايا الكبدية، وكذلك أنواع أخرى من السرطان، مثل سرطان الدماغ والرئة والرأس والعنق، من حوالي ٣٠ إلى ٣٥ معالجة إلى نحو معالجة واحدة إلى خمس معالجات. وعلى مدى فترة علاج لمدة سنتين، حقق العلاج الإشعاعي الجسدي المجسّم معدّلات نجاح تراوحت ٨٠% إلى ٩٠٪ مع بعض أنواع السرطان. ويشبه ذلك استئصال الورم جراحياً، لكنه يشكلّ مخاطر أقلّ.

 وقال شومان: "العلاج الإشعاعي الجسدي المجسّم هو مجرّد نهج جديد في العلاج الإشعاعي، ويشهد هذا المجال نمواً سريعاً ونحن نخطط لمواصلة العمل بشكل وثيق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمساعدتنا على البقاء في المقدمة، وفي الوقت نفسه توسيع التعاون والدعم المقدَّم للدول الأخرى". 

للتواصل معنا

الرسالة الإخبارية