You are here

إنقاذ الأرواح بالاستعانة بالنيوترونات: استخدام مفاعلات البحوث في إنتاج النظائر الطبية والمستحضرات الصيدلانية الإشعاعية

Amirreza Jalilian, Mary Albon

عملية إنتاج النظائر المشعة الطبية عن طريق تشعيع مادة مستهدفة في قلب مفاعل بحوث في كلية ريد بالولايات المتحدة الأمريكية. (الصورة من: دون ماكالاه، موقع Flickr)

تؤدي الإنجازات التي تحققت في إنتاج النظائر المشعة الطبية بكفاءة وفي استحداث المستحضرات الصيدلانية الإشعاعية إلى تحسين نتائج التشخيص وتعزيز فعالية العلاج في سياق مكافحة العديد من أنواع السرطان والأمراض الأخرى. ونتيجة لذلك، يتزايد الطلب باستمرار على النظائر المشعة، التي تُنتج أساسا باستخدام مفاعلات البحوث أو المعجلات، كما أنَّ عدد المستحضرات الصيدلانية الإشعاعية المستخدمة إكلينيكيا آخذ في الازدياد بمعدل سريع.

"هدفنا النهائي هو المساعدة على زيادة الإنتاج العالمي من هذه المواد التي لا غنى عنها في مجال الطب النووي وسد الفجوات في توافرها في بعض المناطق، حتى يتمكن المرضى المصابون بالسرطان وغيره من الأمراض المهددة للحياة من الحصول على الرعاية التي يحتاجون إليها."
ميليسا دينيكي، مديرة شعبة العلوم الفيزيائية والكيميائية، الوكالة الدولية للطاقة الذرية

وقالت السيدة ميليسا دينيكي، مديرة شعبة العلوم الفيزيائية والكيميائية في الوكالة: "إن النظائر المشعة الطبية والمستحضرات الصيدلانية الإشعاعية يمكن أن تكون عاملاً حاسماً في إنقاذ الأرواح في حال تحضيرها واستخدامها بطريقة صحيحة".

والنظائر المشعة الطبية هي عناصر مشعة تُستخدم في تركيبات صيدلانية ترتبط فيها بجزيئات معينة ومن ثم تنبعث منها إشعاعات يمكن تتبعها بسهولة، مما يجعلها مفيدة للتشخيص الطبي. ويمكن استخدامها أيضا لأغراض علاجية، عن طريق استهداف أنسجة الأورام لعلاج بعض أنواع السرطان، مثل سرطانات البروستاتا والثدي والأمعاء.

أما المستحضرات الصيدلانية الإشعاعية فهي عقاقير تجمع بين نظير مشع طبي وجزيء نشط بيولوجيًّا. وعلى سبيل المثال، ففي حالة المستحضرات الصيدلانية الإشعاعية التشخيصية المحتوية على نظائر مشعة تنبعث منها أشعة غاما، يمكن استهداف أعضاء أو أنسجة أو خلايا بعينها. ويُعطى العقار للمرضى من خلال الحقن أو الاستنشاق أو عن طريق الفم، وتُستخدم كاميرا خارجية كاشفة لأشعة غاما لإنتاج صور للأعضاء أو الأنسجة المستهدفة دون أي تدخل جراحي. أما المستحضرات الصيدلانية الإشعاعية العلاجية فتحتوي على نظائر مشعة باعثة للجسيمات تتراكم في الأنسجة المستهدفة لقتل الخلايا السرطانية.

ومفاعلات البحوث هي المصدر الرئيسي لإنتاج النظائر المشعة الطبية، بما في ذلك الموليبدينوم-99 واليود-131 والهولميوم-166، من بين نظائر أخرى. ويُستخدم اليود-131 لتشخيص وعلاج سرطان الغدة الدرقية، وهو من أول النظائر المشعة التي أُنتجت في مفاعلات البحوث في أوائل أربعينات القرن العشرين. ورغم أن عدد النظائر المشعة الطبية التي يجري إنتاجها حاليا يقترب من 35 نظيراً، يستأثر الموليبدينوم-99 وحده بالنصيب الأكبر. والموليبدينوم-99 هو النظير الأصلي للتكنيتيوم-99 شبه المستقر، الذي يُستخدم في نحو 85 في المائة من إجراءات الطب النووي المنفَّذة حول العالم لتشخيص السرطانات وأمراض القلب والمخ والعظام – أي ما يصل إلى 50 مليوناً من إجراءات الطب النووي سنويا. 

واللوتشيوم-177 هو نظير مشع مهم آخر يُنتج في مفاعلات البحوث. وقالت السيدة ريناتا ميكولايتشاك، الباحثة في مركز النظائر المشعة التابع للمركز الوطني للبحوث النووية في بولندا: " اللوتشيوم-177 هو الركيزة الأساسية لإنتاج المستحضرات الصيدلانية الإشعاعية العلاجية المستخدمة لعلاج المرضى الذين يعانون من آلام العظام وسرطانات البروستاتا والمعدة والأمعاء. وهناك ما لا يقل عن 20 من العقارات الجديدة التي يجري العمل على إعدادها باستخدام اللوتشيوم-177 حول العالم".

وفي أيار/مايو 2023، أطلقت الوكالة مشروعا بحثيا منسقا لاستحداث مستحضرات صيدلانية إشعاعية جديدة لعلاج السرطان باستخدام اللوتشيوم-177. وقالت السيدة أرونا كورد، وهي عالمة متخصصة في الصيدلة الإشعاعية بالوكالة: "لقد أفضت التطورات الأخيرة في العلاجات الإشعاعية القائمة على اللوتشيوم-177 إلى نقلة نوعية في إدارة علاج أورام الغدد الصماء العصبية وسرطانات البروستاتا – مع تحسين نتائج المرضى. ومع ذلك، فلا تزال هناك فجوات في فهمنا للسلوك البيولوجي للمستحضرات الصيدلانية الإشعاعية العلاجية الموسومة باللوتشيوم-177". ويهدف المشروع البحثي المنسق إلى تحديد ومعالجة العوامل التي قد تحد من فعالية هذه العلاجات الإشعاعية. وسيعمل المشروع على استحداث وتنفيذ أسلوب تقييم سابق على مرحلة التطبيق الإكلينيكي، لتقييم قدرة المستحضرات الصيدلانية الإشعاعية القائمة على اللوتشيوم-177 على استهداف بعض أنواع السرطان الرئيسية. كما سيوفر مبادئ توجيهية بشأن الوسم الإشعاعي وتقييم المستحضرات الصيدلانية الإشعاعية القائمة على اللوتشيوم-177 من حيث الجودة والسلامة والفعالية.

إنتاج النظائر المشعة

يبلغ عدد البلدان التي لديها مفاعلات بحوث قادرة على إنتاج النظائر المشعة 40 بلداً، ومن بين هذه البلدان هناك 25 بلداً ينتج بالفعل نظائر مشعة للتطبيقات الطبية. وفي معظم الحالات، يجري إنتاج النظائر المشعة للسوق المحلي. وهناك عدد أقل من البلدان التي تصدر النظائر المشعة إلى السوق الإقليمية أو العالمية، في حين يقتصر تصدير الكميات الكبيرة على عدد محدود من البلدان. وتوفر الوكالة المعارف والخبرات للبلدان في جميع أنحاء العالم بشأن كيفية استخدام مفاعلات البحوث في تطوير وصنع هذه المواد التي تؤدي دورا حاسم الأهمية في التشخيص والعلاج. وتوفر مفاعلات البحوث مصدرا مأمونا ومستقرا للنظائر المهمة للتطبيقات الطبية، بما يشمل المستحضرات الصيدلانية الإشعاعية، وكذلك المصادر العلاجية القائمة على النظائر المشعة، مثل العلاج بالتشعيع الداخلي، وتعقيم الأجهزة الطبية.

وما زال الطلب عليها في ازدياد مستمر. وقال السيد برنار بونسار، مدير مشروع النظائر المشعة في المركز البلجيكي للبحوث النووية: "لا يزال الطريق أمامنا طويلاً حتى نتمكن من تلبية الطلب المتزايد على النظائر المشعة القائمة على مفاعلات البحوث.

وتدعم الوكالة البلدان في إنتاج النظائر المشعة باستخدام مفاعلات البحوث لا للاستخدامات الطبية فحسب، وإنما أيضا للأغراض الصناعية وأغراض البحث والتطوير. وتقدم الوكالة هذا الدعم من خلال وضع المنشورات الإرشادية، وعقد الاجتماعات التقنية لتبادل المعلومات والخبرات الفنية، وتنظيم المشاريع البحثية المنسقة التي تشارك فيها مؤسسات بحثية من بلدان متعددة، وتعزيز بناء القدرات عن طريق أنشطة التدريب والزيارات العلمية والمنح الدراسية. وتعمل الوكالة أيضا من خلال برنامجها للتعاون التقني من أجل تقديم الدعم إلى فرادى البلدان وتشجيع المشاريع الإقليمية والأقاليمية.

وقالت السيدة دينيكه: "إن الوكالة تعمل على تكوين ورعاية مجتمع عالمي من المهنيين القادرين على إنتاج النظائر المشعة والمستحضرات الصيدلانية الإشعاعية المأمونة والعالية الجودة. وهدفنا النهائي هو المساعدة على زيادة الإنتاج العالمي من هذه المواد التي لا غنى عنها في مجال الطب النووي وسد الفجوات في توافرها في بعض المناطق، حتى يتمكن المرضى المصابون بالسرطان وغيره من الأمراض المهددة للحياة من الحصول على الرعاية التي يحتاجون إليها".

٢٠٢٣/١٢
Vol. 64-4

للتواصل معنا

الرسالة الإخبارية