You are here

ما صافي الانبعاثات الصفري؟ وما دور القوى والابتكارات النووية؟

Joanne Liou

في إطار السعي لتحقيق مستقبل مستدام وقادر على التكيُّف مع المناخ، برز تحقيق صافي الانبعاثات الصفري لغازات الدفيئة كغايةٍ متوخاة في جميع أنحاء العالم. ويُقصد بتحقيق صافي الانبعاثات الصفري إما استخدام التكنولوجيات التي لا تنبعث منها أيُّ غازات دفيئة - مثل مصادر الطاقة المتجددة والطاقة الكهرمائية والقوى النووية - أو السماح ببعض مستويات الانبعاثات وإزالة كمية مساوية من الغلاف الجوي من خلال احتجاز الكربون أو تكنولوجيات أخرى.

وأوضح هنري بايير، رئيس قسم التخطيط والدراسات الاقتصادية في الوكالة قائلاً: "ثمة إجماع داخل الأوساط المناخية على أنه، لضمان أن يقتصر الاحترار العالمي على 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية هذا القرن، يتعيّن تحقيق الحيادية الكربونية في نظام الطاقة، وهو المصدر الرئيسي لانبعاثات غازات الدفيئة. وهذا يعني عدم وجود انبعاثات أو تحقيق صافي الانبعاثات الصفري". ويهدف اتفاق باريس لعام 2015 - وهو اتفاق تبناه 196 بلداً - إلى خفض الاحترار العالمي إلى مستوى دون درجتين مئويتين، ويُفضل إلى مستوى 1.5 درجة مئوية.

"تَبْرُز القوى النووية، التي تشتهر ببصمتها الكربونية المنخفضة وتوليد الطاقة بشكل موثوق، كأحد أبرز الأطراف الفاعلة في التحول نحو الطاقة النظيفة."
- هنري بايير، رئيس قسم التخطيط والدراسات الاقتصادية، الوكالة الدولية للطاقة الذرية

وثمة توافُق آراء في الأوساط العلمية على أن النشاط البشري هو المحرك الرئيسي لتغيُّر المناخ. ويؤدي حرق أنواع الوقود الأحفوري وإزالة الغطاء النباتي وقطع أشجار الغابات، بما في ذلك الأيكات الساحلية (المانجروف)، إلى توليد غازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان، التي تحبس الحرارة وتؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة. وتزايُد تواتر الظواهر الجوية المتطرفة، وارتفاع مستويات سطح البحر، والتغيرات في درجات الحرارة العالمية كلها أمور تؤكد الحاجة الملحّة للانتقال إلى مجتمع محايد الكربون.

وقد التزمت الدول في جميع أنحاء العالم بخفض انبعاثات غازات الدفيئة للحدّ من أثرها والتصدّي للأزمة المناخية. وقال بايير: "تحقيق صافي الانبعاثات الصفري يتطلب نَهْجاً متعدد الأوجه يشمل تقليل استهلاك الوقود الأحفوري وزيادة الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة". وتوفر محطات القوى النووية 10 في المائة من إجمالي الكهرباء في العالم ورُبع إمداداته المنخفضة الكربون، وذلك وفقاً لمنشور World Energy Outlook 2022 («توقعات الطاقة في العالم لعام 2022») الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة.

وأضاف بايير قائلاً: "تَبْرُز القوى النووية، التي تشتهر ببصمتها الكربونية المنخفضة وتوليد الطاقة بشكل موثوق، كأحد أبرز الأطراف الفاعلة في التحول نحو الطاقة النظيفة".

مسار مبتكر إلى الأمام

الابتكارات في الصناعة النووية ستكون حاسمة الأهمية في تسخير الإمكانات الكامنة الكاملة للقوى النووية نحو تحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفري. وتدخل تصاميم المفاعلات الجديدة إلى المشهد جنباً إلى جنب مع أساليب التصنيع النمطية الجديدة، فكلها توفر فرصاً وتنطوي على تحدّيات فيما يتعلق بنشر المفاعلات. وتجد مبادرة التنسيق والتوحيد في المجال النووي المنبثقة عن الوكالة أرضيةً مشتركةً فيما بين الرقابيين والمصممين والمشغّلين وغيرهم من الأطراف المعنيّة لدعم النشر المأمون والآمن لهذه المفاعلات المتقدمة، بما في ذلك المفاعلات النمطية الصغيرة.

ومع ذلك، فإن آفاق القوى النووية لا تعتمد على الابتكارات في تكنولوجيات المفاعلات فحسب ولكن أيضاً الابتكارات في عمليات التصنيع، وتأمين إمدادات الوقود، وحلول الوقود المستهلَك وعوامل أخرى. وبالفعل هناك أمثلة على الكيفية التي تعمل بها ابتكاراتٌ، مثل الذكاء الاصطناعي والتصنيع بإضافة الطبقات، على تمهيد الطريق لحلول مأمونة ومستدامة يمكن أن تدعم الوفورات في التكاليف وتحسّن اقتصاديات تشغيل محطات القوى النووية.

وفي حين أن طاقة الرياح والطاقة الشمسية هي مصادر طاقة متغيرة تعتمد على الطقس والوقت من اليوم، فإن محطات القوى النووية هي مصادر طاقة يمكن التحكم في مخرجاتها - أي يمكنها ضبط ناتجها وفقاً للطلب على الكهرباء. وإمكانات أنظمة الطاقة الهجينة التي توحّد مصادر الطاقة النووية والمتجددة تلبي الحاجة إلى مرونة الشبكة الكهربائية وخفض الانبعاثات، مع تحسين الموارد المالية. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ التوسع في استخدام القوى النووية في التطبيقات غير الكهربائية، بما في ذلك تدفئة الأحياء السكنية، وإنتاج الهيدروجين، وتحلية المياه، والحرارة للعمليات الصناعية، يوفر خيارات لتقليل الانبعاثات.

وفي إطار السعي لتحقيق صافي الانبعاثات الصفري، تقول وكالة الطاقة الدولية إنّ الطاقة النووية في وَضْع يؤهلها للمساعدة على إزالة الكربون من إمدادات الكهرباء، وإنّ تقليل القوى النووية من شأنه أن يجعل طموحات تحقيق صافي الانبعاثات الصفري أكثر تكلفةً ويصعب تحقيقها. ومن أجل تسخير قوة الطاقة النووية في الانتقال إلى تحقيق عالم خالٍ من الانبعاثات، أطلقت الوكالة مبادرة تسخير الذرة من أجل عالمٍ خالٍ من الانبعاثات Atoms4NetZero. وتسعى المبادرة إلى إعلام واضعي السياسات وصناع القرار بشأن الطريق المحتمل للمُضيّ قُدُماً في القوى النووية بصفتها الدعامة الموثوقة لعمليات التحوُّل نحو الطاقة النظيفة والميسورة التكلفة والمرنة والأكثر أمناً. وحتى آب/أغسطس 2023، كان هناك 410 مفاعلات قوى نووية قيد التشغيل بإجمالي أكثر من 000 368 غيغاواط (كهربائي) من القدرة المنشأة في 31 بلداً. وبالإضافة إلى ذلك، هناك 57 مفاعلاً قيد الإنشاء في 17 بلداً، بما في ذلك 3 بلدان تقوم ببناء باكورة مفاعلاتها النووية.

وكان التحول العالمي نحو القوى النووية واضحاً العام المنصرم في المؤتمر العام للوكالة لعام 2022. فقد عزز 51 بلداً، وهو عدد غير مسبوق، دور القوى النووية في تحقيق الأهداف المتعلقة بالتخفيف من حدة تغيُّر المناخ وأمن الطاقة والتنمية المستدامة.

وقال المدير العام للوكالة رافائيل ماريانو غروسي في كلمته الموجّهة للمؤتمر: "لقد دفعت أزمة المناخ وأزمة الطاقة المزيد من البلدان إلى النظر إلى القوى النووية كجزء من الحلّ، وقد أظهرت استطلاعات الرأي العام في جميع أنحاء العالم معدَّل قبول متزايد لها". وأردف قائلاً: "ما تنفرد به القوى النووية بصفتها مصدراً مأموناً وآمناً وموثوقاً للطاقة مسألة بالغة الأهمية للتحول نحو الطاقة الخضراء في العالم".

٢٠٢٣/٠٩
Vol. 64-3

للتواصل معنا

الرسالة الإخبارية