You are here

ما تآكل التربة؟ وكيف يمكن للتقنيات النووية أن تساعد في تحديده والتخفيف من حدته؟

شرح الموضوعات النووية
,

يُشكل تآكل التربة خطراً على الزراعة وإنتاج الغذاء. وهو العامل الأكبر في تدهور الأرض، ويؤثر على 1.9 مليون هكتار في العالم أي ما يقارب ثلثي موارد التربة ، مما يهدد الإمدادات الغذائية على الصعيد العالمي. (الصورة من: أ. فارغاس/الوكالة)

تآكل التربة، وهو أكثر الأنواع شيوعاً لتدهور الأراضي، عملية تنفصل خلالها الطبقة العليا من التربة، وهي الطبقة التي تحصل منها النباتات على معظم العناصر الغذائية والمياه. وعندما تنزلق هذه الطبقة الخصبة، التي تسمى التربة السطحية، تنخفض إنتاجية الأرض ويفقد المزارعون مورداً حيويًّا للزراعة. والتربة مورد محدود غير متجدد، خلافاً للرياح أو الشمس، وتتعرض للتآكل بمعدلات تنذر بالخطر.

ووفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، يواجه العديد من الدول العربية تآكل التربة. ففي مصر على سبيل المثال، يؤثر تآكل التربة على 29% من الأراضي الزراعية في وادي النيل، وفي لبنان يتعرض أكثر من 60% من الأراضي الجبلية للتعرية المائية المنخفضة والمتوسطة، مع انخفاض الغطاء النباتي من 37% إلى 24%. وفي بلدان أخرى، مثل عُمان والمملكة العربية السعودية والجمهورية العربية السورية، يُهدد تآكل التربة الأراضي في تلك المناطق بشكل مباشر.

وتؤثر الأنواع المختلفة لتدهور الأراضي على حوالي 1.5 مليار شخص، لا سيما في البلدان النامية. ولكن التربة لها حليف غير متوقع وهو العلوم النووية حيث يمكن للتقنيات النووية أن تساعد الخبراء على فهم الأسباب التي تؤدي إلى تآكل التربة وآلياتها بشكل أفضل، وتحديد بؤر عملية تآكل التربة وتقييم تأثير ممارسات إدارة الأراضي المختلفة على معدلات انجراف التربة، وذلك من أجل تحسين قدرة التربة على مقاومة تأثيرات تغيُّر المناخ وحمايتها في المستقبل.

وباستخدام التكنولوجيا النووية، مثل تقنية النويدات المشعة المتساقطة وتقنية النظائر المستقرة بمركبات معينة، تساعد الوكالة في تقييم تآكل التربة، بحيث يمكن تنفيذ الاستراتيجيات الصحيحة لحماية التربة. وبالاشتراك مع الفاو، تساعد الوكالة البلدان على تعزيز القدرات في استخدام التقنيات النووية والنظيرية لمكافحة تآكل التربة والحفاظ على موارد التربة ودعم الإنتاج الزراعي المستدام.

ما أسباب تآكل التربة؟ وما آثاره؟

(الصورة من: أ. فارغاس/الوكالة)

على الرغم من أنّ تآكل التربة عملية طبيعية تحدث في جميع القارات، إلا أنَّ الأنشطة البشرية قد زادت من سرعة هذه العملية بشكل كبير. وبشكلٍ عام، فإنَّ تآكل التربة أكثر شيوعاً في الأراضي الشديدة الانحدار. وينتج غالباً عن عوامل طبيعية، منها الرياح القوية أو الأمطار الغزيرة؛ ومع ذلك، يمكن للأنشطة البشرية غير المستدامة، مثل إزالة الغابات أو الإدارة غير السليمة للأراضي، أن يزيد من سرعة هذه العملية بمقدار ضعفين إلى ثلاثة أضعاف.

ويؤثر تآكل التربة على الأرض ويجعلها عرضة لفقدان التربة السطحية الخصبة، ويشكل، إلى جانب فقدان المغذيات والمواد الكيميائية المرتبطة بها، تهديداً للإنتاج الزراعي والأمن الغذائي والبيئة، ولا سيما الموارد المائية. والتربة هي مصدر ما يصل إلى 95 % من طعامنا، لذا فإن صحتها وتوافرها يؤثران على نوعية وكمية إنتاج الغذاء. ويعتمد حوالي ربع سكان العالم بشكل مباشر على الغذاء المنتج في الأراضي المتدهورة، وكل عام يتزايد معدل التدهور، مما يؤدي إلى خسارة سنوية لملايين الهكتارات من الأراضي في جميع أنحاء العالم.

وتؤثر التربة المتآكلة أيضاً على نوعية المياه والحياة المائية. ويمكن أن تُنقل التربة عبر الممرات المائية التي تصبّ في مجاري المياه الأكبر، مثل الأنهار والبحيرات. ويؤدي هذا إلى انسداد أحواض المياه وتراكم المغذيات القادمة من الحقول في المياه مما يتسبّب بدوره في تفشي الطّحالب ويشكّل خطراً على نوعية المياه ويضر بموائل الحياة المائية. وبالإضافة إلى ذلك، حتى في أحواض المياه الأكبر مساحة، كالمحيطات والبحار، قد تتراكم الرواسب بكميات كبيرة وهذا كفيل بزيادة التعكر وتقليل الرؤية في المياه عن قرب، مما يهدد استدامة النظم الإيكولوجية المائية وغالباً ما يؤدي إلى موت النباتات.

وتشمل العواقب الأخرى لتآكل التربة تدهور وظائف النظام الإيكولوجي، وزيادة مخاطر الانهيارات الأرضية والفيضانات، والخسائر الكبيرة في التنوع البيولوجي، و إلحاق الأضرار بالبنية الأساسية الحضرية، وفي الحالات الشديدة، نزوح السكان.

كيف يمكن للتقنيات النووية أن تساعد في الحدّ من تآكل التربة؟

قد لا تتجدد التربة المتآكلة لأجيال، لذلك من المهم تقييم تآكل التربة ومعدلات الترسب، إلى جانب تحسين إدارة الأراضي وتنفيذ تدابير الحفاظ على التربة. وهنا يأتي دور التقنيات النووية حيث تُستخدم تقنيتي النويدات المشعة المتساقطة والنظائر المستقرة بمركبات معينة بشكل كبير لمعالجة تآكل التربة. وتساعد تقنية النويدات المشعة المتساقطة في تقييم معدلات تآكل التربة وتقديرها، بينما تُحدِّد تقنية النظائر المستقرة بمركبات معينة المناطق الأكثر تأثراً بتآكل التربة.

وبناءً على نتائج هذه التطبيقات النووية، يمكن تنفيذ تدابير الحفاظ على التربة، مثل إنشاء المصاطب، وزراعة الشرائط الكنتورية، والحراثة بالحد الأدنى، وعدم الحراثة، والتغطية، ومحاصيل التغطية، وتعرية التلال، وتعرية الأخاديد. ويمكنكم الاطلاع على بعض الأمثلة من مدغشقر وأوغندا.

تقنية النويدات المشعة المتساقطة

تترسب النويدات المشعة المتساقطة في الأرض عن طريق الأمطار، والكميات الموجودة في التربة ضئيلة جداً ولا تضرّ بصحة الإنسان لكنّ قياس الكميات بدقة عن طريق التقنيات النووية يمكنه أن يساعد في تقدير معدلات تآكل التربة. (الصورة من: أ. فارغاس/الوكالة)

وتنتشر النويدات المشعة المتساقطة في جميع أنحاء العالم، وأكثرها شيوعاً هو السيزيوم-137، الذي أُطلق بشكل أساسي خلال تجارب الأسلحة النووية في الخمسينيات والستينيات. وقد تَوزّع في الجو في جميع أنحاء العالم ثم ترسب في الأمطار وأصبح جزءاً من التربة السطحية مع مرور الوقت.

وعلى الرغم من أنّ كمية النويدات المشعة المتساقطة في التربة ضئيلة جداً وغير ضارة للإنسان، إلا أنه يمكن قياسها باستخدام مقياس طيف أشعة غاما، ويمكن استخدام كمياتها لتقدير معدلات تآكل التربة. وعندما تتأثر التربة السطحية بالتعرية، تنخفض نسبة تركيز السيزيوم–137، ولكنّ ترسبات التربة المتآكلة تتسبب بارتفاع هذه النسبة. ويتيح تتبع إعادة توزيع النويدات المشعة المتساقطة للخبراء تحديد كمية التربة التي أُزيلت من مكانٍ مُعيَّن وتجمّعت في مكانٍ آخر. ولكي يتمكن الخبراء من تحليل البيانات المُجمعة، يجب أن يُحددوا الموقع الذي لم يتأثر بالتآكل أو الترسب. ويمثل الموقع الذي تراجعت فيه كمية النويدات المشعة المتساقطة بسبب الاضمحلال الإشعاعي خط الأساس. وبعدئذ يُقارن كل من المكان الذي حصل فيه تآكل التربة والمكان الذي تجمّعت فيه الترسبات بالموقع المرجعي (أي الأساسي) لاحتساب كمية التربة المتآكلة أو المترسبة.

وبالإضافة إلى السيزيوم–137، يُستخدم نوعان من النويدات المشعة المتساقطة الأخرى لتتبع تآكل التربة، وهما الرصاص-210 والبريليوم-7.

واستخدام النويدات المشعة المتساقطة لتقييم تآكل التربة له ميزات عديدة فهو أكثر ملاءمة وأرخص وأقل استخداماً لليد العاملة عن الطرق التقليدية، والتي تتضمّن قياس حجم التربة التي أزيلت أو تلك التي تجمّعت على مستوى أراضي مختلفة المساحة. وتقنيات النويدات المشعة المتساقطة مفيدة خاصةً في دراسة تأثير استخدام الأراضي على تآكل التربة وفعالية التدابير المُتخذة للحفاظ على التربة. وهذه المعلومات لا غنى عنها لوضع استراتيجيات تهدف إلى الحفاظ على التربة وتنفيذ البرامج ذات الصلة واختيار التدابير المناسبة لتحقيق النتائج المرجوة.

تقنية النظائر المستقرة بمركبات معينة

يستطيع العلماء تتبُّع النظائر المستقرة كالكربون–13 الموجودة في التربة لتحديد البؤر النشطة لتآكل التربة وتأثير الاستخدامات المختلفة للأرض والمحاصيل على توزيع تآكل التربة. (الصورة من: أ. فارغاس/الوكالة)

تغطي تقنية النويدات المشعة المتساقطة العديد من الأبعاد ولكن ليس جميعها لتقييم تآكل التربة. ولهذا السبب، عند تحديد مصادر الترسبات والبؤر النشطة لتآكل التربة في المناطق الأكبر، مثل مستجمعات المياه، تُستخدم تقنية النظائر المستقرة بمركبات معينة صُممت خصيصاً لهذه الأغراض.

وتقيس تقنية النظائر المستقرة بمركبات معينة محتوى النظير المستقر للكربون-13 للتمييز بين المصادر المختلفة للمواد العضوية في التربة. وهذا لأن كل نبات له بصمة مختلفة من الكربون-13، والذي يُحفظ في التربة عندما تتحلل أنسجة النبات. ويتيح ذلك تحديد النظم البيئية واستخدامات الأراضي، والتي تساهم في تكوين المادة العضوية للتربة. ويتطلب تحليل الكربون-13 مكونات أنسجة نباتية مستقرة ولا تتحلل في التربة. ولذلك، فالأحماض الدهنية، الناشئة من جذور النباتات، هي الأنسب لهذا الغرض. فعندما تتحلل أنسجة النبات، تصبح الأحماض الدهنية جزءاً من المادة العضوية للتربة ولها بصمات مميزة من حيث محتواها من النظائر المستقرة، والتي يمكن تحليلها واستخدامها مثل بصمات الأصابع.

وباستخدام تقنية النظائر المستقرة بمركبات معينة، يطابق العلماء "بصمات" مكونات التربة لتلك الموجودة في النظم البيئية للمنطقة محل الدراسة. ومن خلال أخذ عينة من المنطقة التي تعرّضت لتآكل التربة، يستطيع العلماء تحديد مصادر التربة المتآكلة والترسبات الموجودة في خزانات المياه، إضافةً إلى المناطق الأكثر عرضة لها. وهذه المعلومات قيِّمة لأنها تتناول بشكل دقيق تدابير الحفاظ على التربة. ويمكنكم الاطلاع على  مشروع في ميانمار كمثال على ذلك.

ما دور الوكالة؟

  • تساعد الوكالة أكثر من 60 دولة في استخدام التقنيات النووية لقياس ومراقبة تآكل التربة من خلال برنامج التعاون التقني والتعاون مع الفاو من خلال المركز المشترك بين منظمة الأغذية والزراعة والوكالة الدولية للطاقة الذرية للتقنيات النووية في الأغذية والزراعة.
  • توفر الوكالة والفاو مبادئ توجيهية بشأن استخدام تقنية النويدات المشعة المتساقطة لتقييم تآكل التربة وفعالية تدابير حفظ التربة لتبادل أفضل الممارسات ذات الصلة، فضلاً عن تفاصيل استخدام النويدات المشعة المتساقطة الخاصة، مثل السيزيوم-137 والبريليوم-7.
  • نشرت الوكالة مبادئ توجيهية بشأن تتبُّع الترسبات عبر استخدام تقنية النظائر المستقرة بمركبات معينة.
  • في أفريقيا وآسيا والمحيط الهادئ وأمريكا اللاتينية والكاريبي، تتبادل الوكالة المعارف فيما يتعلق بالتقنيات النووية مع العلماء وتساعدهم من خلال المشاريع الإقليمية لمكافحة تدهور الأراضي والترسبات في مستجمعات المياه وتعزيز إنتاجية التربة من أجل تحسين الأمن الغذائي.
  • تتعاون الوكالة مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحُّر لتعزيز أفضل الممارسات المتاحة لإدارة التربة، لا سيما في المناطق المُعرَّضة لتآكل التربة أو المتأثرة به.
  • تعمل الوكالة على تحقيق الهدف 15.3 من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة بشأن وقف تدهور الأراضي، والذي يهدف إلى مكافحة التصحُّر، واستعادة الأراضي والتربة المُتدهورة، وتحقيق عالم خالٍ من تدهور الأراضي.

موارد ذات صلة

للتواصل معنا

الرسالة الإخبارية