You are here

الأمان من خلال التصميم

كيف يعالج الجيل الجديد من المفاعلات مشكلة الأمان

Joanne Liou

تحت مدرّجات الملعب الرياضي بجامعة شيكاغو، ظهر أول تفاعل نووي متسلسل ذاتي الاستدامة في عام 1942. ضمن إطار خشبي، شكّلت كُتل الجرافيت التي يتخللها اليورانيوم "الكومة"، أي المفاعل النووي. ومِن الأعلى ، كانت ثمة ذراع تحكم معلّقة على حبل، ووقف عندها رجل بملابس واقية، على أهبة الاستعداد لقطع الحبل بفأس في حال حدوث خطب ما . عندئذ، كانت الذراع ستسقط في قلب المفاعل، ما يؤدي إلى إيقاف التفاعل المتسلسل. وجسّد ذلك الرجل الواقف بفأسه أول نظام أمان نووي في العالم.

وفي العقود التالية، كان للأمان تأثيره في تطوُّر المفاعلات، من النماذج الأولية في الخمسينيات ومفاعلات القوى التجارية في الستينيات إلى التصميمات المتقدمة التي ظهرت في التسعينيات. وبعيداً عن ذلك الرجل صاحب الفأس في تلك البداية الأولى، تتميز مفاعلات اليوم بتصميمات وأنظمة تضمن مستوى عالياً من الأمان.

في حين أن التصميمات الابتكارية واعدة، يجب استكمالها بتقييم أمان سليم من الهيئة الرقابية وعملية الترخيص التي تدعم استخدامها ونشرها.
فاسيلينا رانغيولوفا،لرئيسة قسم تقييم الأمان، الوكالة الدولية للطاقة الذرية

ويتضمن الجيل الجديد من المفاعلات النووية بعض المفاعلات التي هي قيد التشغيل بالفعل وتصميمات مفاعلات لم تُنشر بعدُ. وتميّز الوكالة المفاعلات النووية المتقدمة كمفاعلات تطورية أو ابتكارية، وكلاهما يتضمن الدروس المستفادة من حادثة فوكوشيما داييتشي النووية في عام 2011. وتحسّن المفاعلاتُ التطورية التصميمات الحالية، مع الاحتفاظ بالسّمات التصميمية المثبتة، بينما تستخدم المفاعلات الابتكارية تقنية جديدة.

وتتوافر معظم المفاعلات التطورية في الأسواق وهي متصلة بالفعل بالشبكة الكهربائية. ويقوم نهج الأمانالذي تستند إليه هذه المفاعلات على تطبيق استراتيجية محسَّنة للدفاع في العمق، مقارنةً بالمفاعلات التقليدية، مدعومة بزيادة التركيز على خصائص الأمان المتأصلة والسمات الكامنة وتقليل الاعتماد على تدخُّل المشغل لتقليل مخاطر الحادثات.

وتتضمن المفاعلات الابتكارية تغييرات جذرية في استخدام المبرّدات، والوقود، وبيئات التشغيل، وأنساق النظام. ويُنظر في بعض المفاهيم الابتكارية بُغية نشرها في غضون عشر إلى عشرين سنة القادمة.

وقال ستيفانو مونتي، رئيس قسم تطوير تكنولوجيا القوى النووية في الوكالة: "من وجهة نظر تكنولوجية، [المفاعلات الابتكارية] مختلفة كثيراً لأنها، في العادة، لا تستخدم الماء كمبرّد". وأضاف قائلاً إنه من وجهة نظر فيزيائية، يغيّر المبرد المختلف أيضاً الطريقة التي يتم بها استخلاص الحرارة والطريقة التي يتم بها إنتاج تفاعل الانشطار النووي والإبقاء عليه.

فالمفاعلات النيوترونية السريعة المتقدمة المبرَّدة بالصوديوم، أو الرصاص وخليط الرصاص والبزموث أو الغاز، على سبيل المثال، تستخدم نيوترونات ذات طاقة أعلى بكثير لإحداث الانشطار. والمفاعلات النيوترونية السريعة مصمَّمة لتحسين كفاءة الوقود وبالتالي تقليل النفايات القوية الإشعاع. وقالت فاسيلينا رانغيولوفا، رئيسة قسم تقييم الأمان في الوكالة: "من منظور الأمان، المخاطر المرتبطة بتشغيلها منخفضة للغاية، بسبب انخفاض احتمالية وقوع الحادثات وعواقبها الإشعاعية". ويوفر نظام المعلومات الخاصة بالمفاعلات المتقدمة التابع للوكالة معلوماتٍ تقنية ومعلومات أمان مفصَّلة لجميع هذه الأنواع من المفاعلات المتقدمة.

وتمَّ نشر أول مفاعلات نمطية صغيرة متقدمة في العالم السنة الماضية في روسيا، وثم العديد من المفاعلات النمطية الصغيرة الابتكارية قيد التطوير حالياً بُغية نشرها في الأمد القريب. وعلى الصعيد العالمي، ثمة قرابة 70 مفهوماً وتصميماً للمفاعلات النمطية الصغيرة، اثنان منها في مراحل متقدمة من التشييد في الأرجنتين والصين.

نظم الأمان

أدَّت الدروس المستفادة من حادثة فوكوشيما إلى تعزيز متطلبات الأمان الدولية إلى حد كبير، والتي يجب أن تنعكس في تصميم المفاعلات المتقدمة بحيث يكون احتمال وقوع حادثة ذات عواقب إشعاعية خطيرة منخفضاً للغاية، وأن يتمّ القضاء عمليًّا على العواقب الإشعاعية، في حال وقوع حادثة.

ويتطلب التحقق من مفهوم المفاعلات النمطية الصغيرة من البائعين إثبات فعالية وظائف الأمان الأساسية - التحكم بالمفاعل، وتبريد قلب المفاعل، واحتواء المفاعل - استناداً إلى وَضْع وتقييم استراتيجيات الدفاع في العمق.

وعلى سبيل المثال، صممت شركة نوسكيل باور (NuScale Power) ومقرها الولايات المتحدة مفاعلَ ماء خفيف معياريًّا يدمج مكوناتٍ لتوليد البخار وتبادل الحرارة في وحدة واحدة، ومن المتوقع أن يُنشر هذا المفاعل في عام 2027. وقالت كاري فوزاين، مديرة الشؤون الرقابية في نوسكيل باورد: "تتمحور تحديات الأمان الرئيسية في المجموعة الحالية من المفاعلات النووية الحالي حول القدرة على إزالة الحرارة المتبقية (الاضمحلال) والحفاظ على برودة المفاعل". "ويدمج التصميم العام لمحطة القوى نوسكيل نظماً أكثر بساطة، ما يحُول دون الحاجة إلى الأنساق المعقدة المطلوبة حاليًّا في المرافق النووية القائمة."

ونظراً للطبيعة الابتكارية، يفرض إدخال السمات الكامنة وغيرها من السمات الابتكارية تحدّياً رقابيًّا. والجهات الرقابية منوطة بها مهمّة التحقق من ادعاءات المصممين بشأن الأمان، وهو ما قد يتطلب المزيد من البحث والتحليل لتقييم التصميمات الجديدة.

"لإظهار أمان التصميم، يلزم إجراء تقييم شامل لجميع حالات المحطة - التشغيل العادي، والوقائع التشغيلية المنتظرة، وظروف الحادثات. وعلى هذا الأساس، يمكن إثبات قدرة التصميم على تحمُّل الأحداث الداخلية والخارجية، وإظهار فاعلية سمات الأمان". قالت رانغيولوفا. في حين أن التصميمات الابتكارية واعدة، يجب استكمالها بتقييم أمان سليم من الهيئة الرقابية وعملية الترخيص التي تدعم استخدامها ونشرها".

إطار عمل محايد تكنولوجياً لأغراض الأمان

تقوم الوكالة بتقييم المستوى الذي يمكن أن تنطبق عليه معايير الأمان الحالية الصادرة عن الوكالة على التكنولوجيات الابتكارية. وأضافت رانغيولوفا قائلة: "معايير الأمان لدينا محايدة تكنولوجيًّا. إلا أنه تُطوَّر في الغالب باستخدام الخبرة التشغيلية للمفاعلات، والتي هي في الغالب مفاعلات مبرَّدة بالماء". وعلى الرغم من أن المعايير محايدة من حيث المبدأ، فقد يختلف التنفيذ بالنسبة لبعض أو كل أنواع المفاعلات النمطية الصغيرة.

وقالت رانغيولوفا: "ثمة ثغرات سنحتاج فيها إلى وَضْع إرشادات إضافية أو وثائق داعمة بما يتيح تطبيق هذه المعايير على التكنولوجيات الابتكارية". وتتوقع الوكالة أن تنشر تقريرَ أمانٍ عن قابلية تطبيق معايير الأمان الصادرة عن الوكالة على تكنولوجيات المفاعلات النمطية الصغيرة في عام 2022.

٢٠٢١/٠٣
Vol. 62-1

للتواصل معنا

الرسالة الإخبارية