You are here

الاتصال في حالات الطوارئ

ماذا تعلمنا منذ حادثة فوكوشيما؟

Laura Gil

صحفيون خلال جلسة إحاطة يومية بشأن حادثة فوكوشيما داييتشي عُقِدت في مقر الوكالة الرئيسي في فيينا، النمسا، في 17 آذار/مارس 2011.

(الصورة من: د. كالما، الوكالة الدولية للطاقة الذرية)

خلال حالات الطوارئ النووية، يكتسي دور المسؤول عن الاتصال تقريباً نفس القدر من الأهمية التي يكتسيه دور عضو من أعضاء طلائع المتصدِّين. وإنّ تقديمَ معلومات واضحة ودقيقة في ظل ما تتسبب فيه الطوارئ من حالات تُطلَقُ فيها صافرات الإنذار وتلقي الذعر في النفوس — وهي حالات تكون فيها كل ثانيةٍ مُهمَّةً — أمر من شأنه إنقاذُ الأرواح.

فما الذي تعلمه المسؤولون عن الاتصال إذًا من حادثة فوكوشيما داييتشي النووي؟

 قالت السيدة جيسيكا ويدر، مديرة قسم معلومات رصد الإشعاعات والتواصل الخارجي التابع لوكالة حماية البيئة في الولايات المتحدة الأمريكية، المسؤولة عن أمور من بينها الرصد الإشعاعي "بصفتنا مسؤولين عن الاتصال، يتمثل عملنا في مساعدة الجمهور على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن سلامتهم وسلامة ذويهم وأحبائهم،  إذ يمكن لحالات الطوارئ الإشعاعية أن تكون مروعة، ولذلك، كان دافعنا الأولُ في الماضي هو تبديدُ قلق الجمهور. أما الآن، فيتمثلُ هدفنا الرئيسي في العمل على أن تتبلور شدَّةُ الأحداث الإشعاعية في استعدادات و تدابير مستنيرة لا تنجرُ عنها حالات ذعر لا داعي لها."

"خلال حادث فوكوشيما داييتشي، أدركنا القيمة التي يكتسيها عاملُ نشرِ المعلومات في الوقت المناسب. وعندما تعذّر علينا القيام بذلك، شهدنا بأم أعيننا مدى سرعة فقدان الثقة ومدى صعوبة استعادتها."
ماريا لورا دوارتي، رئيسة قسم الاتصالات، الهيئة الرقابية النووية، الأرجنتين

هل أنا في مأمن؟

تؤدي أي حالة تنطوي على انطلاق مواد مشعّة إلى انتشار الخوف، وغالباً ما يحصل ذلك لأن الكثير من الناس غير مُلمِّينَ بمفهوم الإشعاعات، علاوة على أنه مفهوم يصعبُ استيعابه. وبغية التصدي بفعالية في خضم حالات من هذا القبيل، يجب على المسؤولين عن الاتصال التركيز على الإجابة على السؤال الرئيسي الذي يطرحه الأشخاص المعنيون ألا وهو: هل أنا في مأمن؟

وقد أتضح من حادثة فوكوشيما داييتشي النووي أنه، وبغية تقديم إجابة على هذا السؤال وتبديد قلق الجمهور، يتعيَّنُ على المسؤولين عن الاتصال تزويدُ الجمهور بِبَيَانَاتٍ تكون واضحة من حيث الصياغة.

وقالت السيدة وايدر "كان الناس يريدون الاطلاع على البيانات. كانوا يريدون الاطلاع على الأرقام. وخلال حادثة فوكوشيما داييتشي، أدركنا القيمة التي يكتسيها عاملُ نشر المعلومات في الوقت المناسب. وعندما تعذّر علينا القيام بذلك، شهدنا بأم أعيننا مدى سرعة فقدان الثقة ومدى صعوبة استعادتها".

وقبل حادثة فوكوشيما داييتشي، كانت إمكانية الوصول إلى البيانات المتعلقة بالإشعاعات الخاصة بوكالة حماية البيئة متاحةً لعدد قليل من الأشخاص، وكان هذا الوصول محمياً بكلمة سر. بيد أنه، وفي غضون أسبوعين اثنين من تاريخ وقوع الحادثة، أزالت الوكالة تدابير الحماية بكلمة السر وجعلت البيانات متاحة للعموم على موقعها الشبكي، وظلت هذه البيانات متاحة للعموم منذ ذلك الحين.

وفي غضون 24 ساعة من الحادثة، كانت شركة طوكيو للطاقة الكهربائية (شركة تيبكو) — وهي الشركة اليابانية التي تشغِّل المحطة في محافظة فوكوشيما — تقدم بالفعل بياناتٍ أولية بشأن الرصد الإشعاعي وتحديثات في الوقت الحقيقي بشأن الظروف السائدة داخل المفاعل. ومع ذلك ، أصبح من الصعب على المواطنين ووسائط الإعلام فهم ما تعنيه تلك المعلومات من الناحية العملية.

وأضافت السيدة وايدر قائلة "الحقائق لوحدها لا تكفي لتبديد العواطف المتأججة، ولا يمكننا الاكتفاء بإتاحة البيانات للجمهور فحسب، بل يتعيَّن علينا أيضاً تزويده إلى جانب ذلك بتفسيرات حتى يتمكن من فهم ما تعنيه هذه البيانات فيما يتعلق بوضعه الصحي."

ومنذ وقوع الحادثة، قدمت الوكالة إلى محافظة فوكوشيما الدعم في العديد من المجالات وذلك عن طريق توفير الخبرات التقنية والمساعدة في تعميم المعلومات على الجمهور. كما أن الوكالة قدمت المساعدة فيما يتعلّق بإعداد مواد إعلامية عامة ذات صلة، بما شمل نشرات وموقعاً شبكياً، تتضمن معلومات عن نتائج الرصد الإشعاعي وجهود إزالة التلوث. وقال السيد ميكلوس غاسبار، وهو موظف في مكتب الإعلام العام والاتصالات التابع للوكالة، والمسؤول التقني المشرف على عملية دعم نشر المعلومات في محافظة فوكوشيما، "يُعَدُّ استخدام الصور، والرسوم البيانية، والتفسيرات الواضحة، واللغة الخالية من الصياغات التي لا يفهمها إلا العلماء عاملاً رئيسياً فيما يتعلق بضمانِ فهم الجمهور لما يُنشَرُ من معلوماتٍ وبتبديد المخاوف التي تُثيرُها المخاطر المُتصوَّرة".

أصوات عديدة، والرسالة واحدة

قالت السيدة وايدر "ما إن تُبنى المصداقية، يجب الحفاظ عليها. وفي أعقاب حادثة فوكوشيما داييتشي، تبيّن لنا نحن المسؤولون عن الاتصال، أنه وبهدف الحفاظ على ثقة الجمهور خلال حالات الطوارئ، ينبغي للأشخاص المُعتَدِّ بها في هذا المجالِ نقلُ نفسِ الرسالة بنفسِ نبرة الصوت. وإذا أدلت منظمةٌ ببيانٍ وأدلى خبير ما بشيء يتعارض مع ذلك البيان، نكون عندها قد خسرنا ثقة الجمهور. وخلال حالات الطوارئ، من المهم للغاية تفادي حصول أمور من هذا القبيل.

وعندما تقدِّم مختلف المصادرِ الموثوقةِ إلى الجمهور نفسَ البيانات وتنقلُ إليه نفس الرسائلِ، تُكلّل وقتها عملية الاتصال بالنجاح". وقالت السيدة ماريا لورا دوارتي، رئيسة قسم الاتصالات في الهيئة الرقابية النووية الأرجنتينية "وجودُ شخص خارجي يردد صدى رسالتك هو عاملٌ يضفي مزيداً من الموثوقية على المعلومات التي تقدّمُها، وهو أمرٌ قد لا يكون بوسعك تحقيقه بمفردك. وفي هذا الصدد، يُعَدُّ عامل التنسيق أمراً بالغ الأهمية".

وفي الأرجنتين، كما هو الحال في العديد من البلدان الأخرى، سعى ممثلو الحكومة، والمتصدُّون، والخبراء من الأوساط الأكاديمية إلى توحيد جهُودهم للعمل على مسألة الاتصال في حالات الطوارئ، وأقاموا شبكات حتى يكونوا على دراية بمن يتصلون بالضبط في حال حدوث حالة طارئة. وقالت السيدة دوارتي أيضاً "إنّ إشراك وسائط الإعلام وإحاطتها مسبقاً استعداداً للحوادث المحتملة، واستدعاءها لحضور تمارين التصدي، هو أيضاً أمرٌ مفيدٌ".

يمكن للكذبة أن تعبُرَ نصف المعمورة قبل أن ترتديَ الحقيقةُ حذائها

علاوة على بناء الثقة، يساعدُ تقديم الرسائل بشكل منسَّق ومتّسِق في مكافحة انتشار المعلومات المضلِّلة. وخلال الفترة التي أعقبت حادثة فوكوشيما داييتشي، تداول المواطنون معلومات كانت في بعض الأحيان غير صحيحة. وقالت السيدة وايدر: "كانت جسامة المخاطر التي يُتَصَوَّرُ أن تكون ناجمةً عن الإشعاعات عالية جداً. ويؤدّي ذلك إلى انتشار المعلومات المضلِّلة".

ولئن يكاد يكون من المستحيل الرد على جميع الشائعات، يتفق المسؤولون عن الاتصال على أن الشاغل الرئيسي هنا يتمثل في التركيز على الشائعات الأكثر انتشاراً، وفي التدخل بالتعاون مع عدة منظمات شريكة مختلفة لتصحيح جوانب عدم الدقة في هذا الصدد.

وقالت السيدة كورا بلانكندال، كبيرة مستشاري الاتصال في الفريق المعني بالبحوث والاستشارات النووية ، وهو شركة تُشغّل مفاعل بحوث نووي في هولندا "إذا كان عليك التعامل مع المعلومات المضلّلة، فحاول العثور على شريك موثوق به، طبيب يعمل في إحدى المستشفيات مثلاً، واترك له مهمة توضيح الوضع بما يدعم فحوى رسالتك".

بناء الثقة، يوماً بعد يومٍ

قالت السيدة دوارتي "إنّ أهمية بناء الثقة لا تقتصر فقط على حالات الطوارئ".

و"علينا الاتصال في جميع الأوقات، سواء تعلق الأمر بأخبار جيدة أو سيئة". وقالت أيضاً "إنّ تثقيف السكان والتواصل معهم بشكل يومي، على نحو منفتح وشفاف، هو أمر من شأنه جعلهم أكثر ميلاً إلى الثقة في الرسائل التي تبعثها السلطات — في حال وقوع الطوارئ. و"إنّ وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تعتبر وسيلة فعالة للاضطلاع بهذه المهمة، لأنها تُتيح للمسؤولين عن الاتصال والجمهور فرصة للانخراط في تفاعلات ثنائية الاتجاه وإرساء أسس حوار عام".

وقال السيد غاسبار "يقتضي كسب ثقة الجمهور إشراك ممثلين من المجتمع في عمليات قياس الإشعاعات والتواصلَ مع الجمهور باستمرار وعلى نحو شفاف".

٢٠٢١/٠٣
Vol. 62-1

للتواصل معنا

الرسالة الإخبارية